الجمعة، 14 يونيو 2019

عودة *

أوكتافيو باث


"خير لك ألا تعود إلى القرية، إلى خرائب الجنة"
رامُن لُبيز فلاردي1

الأصوات عند الزاوية تعود
   أصواتا
عبر أيادي الشمس المنتشرة
تكاد تسيل
ظلاً ونوراً
صفير النجار
صفير بائع الآيس كريم
شجيرات الدردار الثلاث
تصفر في الساحة
جذور الأصوات
اللامرئية
تنمو
ترفع
الوقت
تنشره ليجف على السطوح
أنا
في ميكسوكاك2
فسدت الحروف
في صناديق البريد
تمددت الجهنمية
بالشمس
قبالة جير الجدار الأبيض
بقعة
قرمزية
خطٌ عاطفي
إني أمضي عائداً
لما تركته
أو ما تركني
ذكرى
الشرفة التي توشك على الوقوع
في الفراغ
أمضي
ولا أتقدم
محاطاً
بالمدينة
أفتقد الهواء
يصحّرني جسدي
ليل
بضع أضواء
تلك الأموال والأموال
التي تنهار في المكتب
أو على الرصيف
لتنتهي في المستشفيات
ألم الموت
هكذا
لا يستحق الألم.

أعاود النظر
    ذلك العابر
لم يبق منه الآن غير ضباب
   نبتت الكوابيس
في بطون دور السينما
مقابر الغاز
بواليع الكهرباء
أحلام
رغبات
مزارع الكوارث
تغلي تحت الأرض
تشعل
الملايين والملايين من النقود القديمة
في البنك المكسيكي
عمارة
مشلولة
المقاطعات المقطعة
حدائق البلدية الخربة
الأكوام الكثيرة
المهجورة
من الملح
خيام البدو المتمدنين
علب خشب بلاستيك  حفاظات
طرقات الندوب
تسير على اللحم الحي
مراسم المآتم
العاهرات
أعمدة الليالي الخائبة
الانتظار على واجهة معرض التوابيت
على رف المشرب
في الفجر
المرآة الكبيرة تذوّب
الشِّرب المنعزلين
تتأمل
ملامحهم السائلة
الريح
عند الزاوية المغبرة
تقلب الجريدة
أخبار الأمس
أكثر بعداً
من الألواح المسمارية
المكسورة المفتتة
الكتب المقدسة المشققة
اللغة المتشظية
كانت العلامات المحطمة
اتل تلشِنُلي3
متجذية
مياهاً مشتعلة
ما من ميدان مركزي
للمحفل والتكريس
ما من محور
والسنوات تختفي
الأفق تبدد
لقد وسموا المدينة
على كل باب
على كل جبين
علامة $
نحن محاصرون
وأنا مضيت عائداً
من حيث انطلقت
هل ربحت أم خسرت؟
(تسأل
أي قانون يحكم "النجاح" و"الفشل"
أغنية
الصياد
تطفو
من ضفة النهر التي لا تجري
وَنغ وِي إلى المعلم شَنغ
من كوخه على البحيرة
لكنني
لا أريد الصوامع الثقافية
في سان إنجل أو كويوَكان4)
كلها ربح
إذا كان كلها خسارة
أمضي عائداً تجاه ذاتي
نحو الساحة
الفضاء في الداخل
وهو ليس خرائب جنة
إنه خفق الزمن
والأماكن مصبات
رفرفة الوجود في الفضاء الراهن
صفير الريح في أشجار الدردار
النوافير
تكاد تذيب نوراً وظلا
أصوات المياه
الشعاع الجاري ضاع
بضع انعكاسات
تبقت في يدي
أمضي بلا تقدم
لم نصل أبداً
أبداً لم نبلغ مكاننا
ليس الماضي
هذا الحاضر لا نناله.




*  عن ترجمة إليوت وِنبرغر وهو شاعر أمريكي معاصر مواليد ١٩٤٩م
1  شاعر مكسيكي عاد أثناء الثورة المكسيكية إلى قريته ورأى دمارها فكتب قصيدة أسماها "الجنة الخراب".
2 ضاحية في مكسيكو عاصمة المكسيك.
3. تقول الأسطورة أن الأزتيك رأوا على بحيرة المكسيك صرة تطفو على الماء فأخذوها ووجدوا داخلها زندين لإشعال النار، فأسموها أتل تلشِنُلي ومعناها زواج الماء والنار.
4. ضواحي شهيرة في مكسِيكو.

ت. إبراهيم بن سعيد
نشر النص في العدد ٩٨ من مجلة نزوى